الفصل السادس

ثبوت الهلال

يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر ، أو غيرهما ، بالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره ، أو بمضي ثلاثين يوما من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان ، أو ثلاثين يوما من شهر رمضان فيثبت هلال شوال ، وبشهادة عدلين ، وفي ثبوته بحكم الحاكم الذي لا يعلم خطأه ولا خطأ مستنده إشكال بل منع ، ولا يثبت بشهادة النساء ، ولا بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين ، ولا بقول المنجمين ، ولا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة ، ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، ولا يبعد ثبوته برؤيته قبل الزوال ، فيكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق ، وكذا بتطوق الهلال ، فيدل على أنه لليلة السابقة .

( مسألة 1043 ) : لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم ، بل كل من علم بشهادتها عول عليها .

( مسألة 1044 ) : إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الافق ، بحيث إذا رؤي في أحدهما رؤي في الآخر ، بل الظاهر كفاية الرؤية في بلد ما في الثبوت لغيره من البلاد المشتركة معه في الليل وإن كان أول الليل في أحدهما آخره في الآخر .

ــ[279]ــ

بيان ذلك أن(1) البلدان الواقعة على سطح الارض تنقسم إلى قسمين :

أحدهما: ما تتفق مشارقه ومغاربه ، أو تتقارب .

ثانيهما : ما تختلف مشارقه ومغاربه اختلافا كبيرا . أما القسم الاول : فقد اتفق علماء الامامية على أن رؤية الهلال في بعض هذه البلاد كافية لثبوته في غيرها ، فإن عدم رؤيته فيه إنما يستند - لا محالة - إلى مانع يمنع من ذلك ، كالجبال ، أو الغابات ، أو الغيوم ، أو ما شاكل ذلك .

وأما القسم الثاني ( ذات الآفاق المختلفة ) : فلم يقع التعرض لحكمه في كتب علمائنا المتقدمين ، نعم حكي القول باعتبار اتحاد الافق عن الشيخ الطوسي في ( المبسوط ) ، فاذن : المسألة مسكوت عنها في كلمات أكثر المتقدمين ، وإنما صارت معركة للآراء بين علمائنا المتأخرين : المعروف بينهم القول باعتبار اتحاد الافق ، ولكن قد خالفهم فيه جماعة من العلماء والمحققين فاختاروا القول بعدم اعتبار الاتحاد وقالوا بكفاية الرؤية في بلد واحد لثبوته في غيره من البلدان ولو مع اختلاف الافق بينها .

فقد نقل العلامة في ( التذكرة ) هذا القول عن بعض علمائنا واختاره صريحا في ( المنتهى ) واحتمله الشهيدالاول في (الدروس) واختاره - صريحا - المحدث الكاشاني في ( الوافي ) وصاحب الحدائق في حدائقه ، ومال إليه صاحب الجواهر في جواهره والنراقي في ( المستند )، والسيد أبوتراب الخونساري في شرح ( نجاة العباد ) والسيد الحكيم في مستمسكه في الجملة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) نقل من رسالة " المسائل المنتخبة " للامام الخوئي ، وهي مطبوعة في آخرها تحت عنوان : " تفاصيل ثبوت الهلال " .

ــ[280]ــ

وهذا القول - أي كفاية الرؤية في بلد ما لثبوت الهلال في بلد آخر مع اشتراكهما في كون ليلة واحدة لهما معا وإن كان أول ليلة لاحدهما وآخر ليلة للآخر ، ولو مع اختلاف افقهما - هو الاظهر ، ويدلنا على ذلك أمران :

( الاول ) : أن الشهور القمرية إنما تبدأ على أساس وضع سير القمر واتخاذه موضعا خاصا من الشمس في دورته الطبيعية ، وفي نهاية الدورة يدخل تحت شعاع الشمس ، وفي هذه الحالة ( حالة المحاق ) لا يمكن رؤيته في أية بقعة من بقاع الارض ، وبعد خروجه عن حالة المحاق والتمكن من رؤيته ينتهي شهر قمري ، ويبدأ شهر قمري جديد .

ومن الواضح، أن خروج القمر منهذا الوضع هو بداية شهر قمري جديد لجميع بقاع الارض على اختلاف مشارقها ومغاربها، ولا لبقعة دون أخرى ، وإن كان القمر مرئيا في بعضها دون الآخر ، وذلك لمانع خارجي كشعاع الشمس ، أو حيلولة بقاع الارض أو ما شاكل ذلك ، فإنه لا يرتبط بعدم خروجه من المحاق، ضرورة أنه ليس لخروجه منه أفراد عديدة بل هو فرد واحد متحقق في الكون لايعقل تعدده بتعدد البقاع ، وهذا بخلاف طلوع الشمس فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة فيكون لكل بقعة طلوع خاص بها .

وعلى ضوء هذا البيان فقد اتضح أن قياس هذه الظاهرة الكونية بمسألة طلوع الشمس وغروبها قياس مع الفارق ، وذلك لان الارض بمقتضى كرويتها يكون - بطبيعة الحال - لكل بقعة منها مشرق خاص ومغرب كذلك ، فلا يمكن أن يكون للارض كلها مشرق واحد ولا مغرب كذلك وهذا بخلاف هذه الظاهرة الكونية - أي خروج القمر عن منطقة شعاع الشمس - فإنه لعدم ارتباطه ببقاع الارض وعدم صلته بها لا يمكن أن يتعدد بتعددها .

 
 

ــ[281]ــ

ونتيجة ذلك : أن رؤية الهلال في بلد ما أمارة قطعية على خروج القمر عن الوضع المذكور الذي يتخذه من الشمس في نهاية دورته وأنه بداية لشهر قمري جديد لاهل الارض جميعا لا لخصوص البلد الذي يرى فيه وما يتفق معه في الافق .
ومن هنا يظهر : أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الافق مبني على تخيل ان ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الارض كارتباط طلوع الشمس وغروبها بها إلا أنه لا صلة - كما عرفت - لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى فإن حاله مع وجود الكرة الارضية وعدمها سواء .
( الثاني ) : النصوص الدالة على ذلك ، ونذكر جملة منها :

1 - صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله ( ع ) أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين قال: " إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما " .

فإن هذه الصحيحة باطلاقها تدلنا - بوضوح - على أن الشهر إذا كان ثلاثين يوما في مصر كان كذلك في بقية الامصار بدون فرق بين كون هذه الامصار متفقة في آفاقها أو مختلفة إذ لو كان المراد من كلمة مصر فيها المصر المعهود المتفق مع بلد السائل في الافق لكان على الامام ( ع ) أن يبين ذلك ، فعدم بيانه مع كونه عليه السلام في مقام البيان كاشف عن الاطلاق.

2 - صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله ( ع ) أنه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال : " لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر، وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الامصار فإن فعلوا فصمه ".

ــ[282]ــ

الشاهد في هذه الصحيحة جملتان : ( الاولى ) قوله ( ع ) " لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة " (الخ ) فإنه يدل - بوضوح - على أن رأس الشهر القمري واحد بالاضافة إلى جميع أهل الصلاة على اختلاف بلدانهم باختلاف آفاقها ولا يتعدد بتعددها ، ( الثانية ) قوله ( ع ) : " لا تصم ذلك اليوم إلا أن يقضي أهل الامصار " فإنه كسابقة واضح الدلالة على أن الشهر القمري لا يختلف باختلاف الامصار في آفاقها فيكون واحدا بالاضافة إلى جميع أهل البقاع والامصار ، وإن شئت فقل : إن هذه الجملة تدل على أن رؤية الهلال في مصر كافية لثبوته في بقية الامصار من دون فرق في ذلك بين اتفاقها معه في الآفاق أو اختلافها فيها فيكون مرده إلى أن الحكم المترتب على ثبوت الهلال - أي خروجالقمر عن المحاق - حكم تمام أهل الارض لا لبقعة خاصة .

3 - صحيحة اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبدالله ( ع ) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال : " ولا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه " .

فهذه الصحيحة ظاهرة الدلالة بإطلاقها على أن رؤية الهلال في بلد تكفي لثبوته في سائر البلدان بدون فرق بين كونها متحدة معه في الافق أو مختلفة وإلا فلابد من التقييد بمقتضى ورودها في مقام البيان .

4 - صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال " لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه " فهذه الصحيحة كسابقته في الدلالة على ما ذكرناه .
ويشهد على ذلك ما ورد في عدة روايات في كيفية صلاة عيدي الاضحى والفطر وما يقال فيها من التكبير من قوله ( ع ) في جملة تلك التكبيرات : " أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا " .

ــ[283]ــ

فإن الظاهر أن المشار إليه في قوله ( ع ) في هذا اليوم هو يوم معين خاص جعله الله تعالى عيدا للمسلمين لا أنه كل يوم ينطبق عليه أنه يوم فطر أو أضحى على اختلاف الامصار في رؤية الهلال باختلاف آفاقها ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أنه تعالى جعل هذا اليوم عيدا للمسلمين كلهم لا لخصوص أهل بلد تقام فيه صلاة العيد .

فالنتيجة على ضوئهما أن يوم العيد يوم واحد لجميع أهل البقاع والامصار على اختلافها في الآفاق والمطالع .

ويدل أيضا على ما ذكرناه الآية الكريمة الظاهرة في أن ليلة القدر ليلة واحدة شخصية لجميع أهل الارض على اختلاف بلدانهم في آفاقهم ضرورة أن القرآن نزل في ليلة واحدة وهذه الليلة الواحدة هي ليلة القدر وهي خير من ألف شهر وفيها يفرق كل أمر حكيم .

ومن المعلوم أن تفريق كل أمر حكيم فيها لا يخص بقعة معينة من بقاع الارض بل يعم أهل البقاع أجمع، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى قد ورد في عدة من الروايات أن في ليلة القدر يكتب المنايا والبلايا والارزاق وفيها يفرق كل أمر حكيم ، ومن الواضح أن كتابة الارزاق والبلايا والمنايا في هذه الليلة إنما تكون لجميع أهل العالم لا لاهل بقعة خاصة. فالنتيجة على ضوئهما أن ليلة القدر ليلة واحدة لاهل الارض جميعا ، لا أن لكل بقعة ليلة خاصة .

هذا ، مضافا إلى سكوت الروايات بأجمعها عن اعتبار اتحاد الافق في هذه المسألة ، ولم يرد ذلك حتى في رواية ضعيفة .

ومنه يظهر أن ذهاب المشهور إلى ذلك ليس من جهة الروايات بل من جهة ما ذكرناه من قياس هذه المسألة بمسألة طلوع الشمس وغروبها وقد عرفت أنه قياس مع الفارق .