الفصل الثالث

في أحكام الاسارى

( مسألة 23 ) : إذا كان المسلمون قد أسروا من الكفار المحاربين في أثناء الحرب ، فإن كانوا إناثا لم يجز قتلهن كما مر . نعم يملكوهن بالسبي والاستيلاء عليهن ،

 

ــ[374]ــ

وكذلك الحال في الذراري غير البالغين ، والشيوخ وغيرهم ممن لا يقتل ، وتدل على ذلك - مضافا إلى السيرة القطعية الجارية في تقسيم غنائم الحرب بين المقاتلين المسلمين - الروايات المتعددة الدالة على جواز الاسترقاق حتى في حال غير الحرب منها معتبرة رفاعة النخاس ، قال : قلت لابي الحسن ( عليه السلام ) : إن الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان ، فيعمدون على الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار ، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال : " لا باس بشرائهم ، إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الاسلام "(1) .

وأما إذا كانوا ذكورا بالغين فيتعين قتلهم إلا إذا أسلموا ، فإن القتل حينئذ يسقط عنهم .

وهل عليهم بعد الاسلام من أو فداء أو الاسترقاق ؟ الظاهر هو العدم ، حيث إن كل ذلك بحاجة إلى دليل ، ولا دليل عليه .

وأما إذاكان الاسر بعد الاثخان والغلبة عليهم فلا يجوز قتل الاسير منهم وإن كانوا ذكورا ، وحينئذ كان الحكم الثابت عليهم أحد امور : إما المن أو الفداء أو الاسترقاق .

وهل تسقط عنهم هذه الاحكام الثلاثة إذا اختاروا الاسلام ؟ الظاهر عدم سقوطها بذلك ، ويدل عليه قوله تعالى : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها )(2) بضميمة معتبرة طلحة بن زيد الآتية الوادرة في هذا الموضوع .

ومن الغريب أن الشيخ الطوسي - قدس سره - في تفسيره ( التبيان ) نسب إلى الاصحاب أنهم رووا تخيير الامام عليه السلام في الاسير إذا انفضت الحرب بين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل ج 13 الباب 1 و2 و 3 من أبواب بيع الحيوان .
(2) سورة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والآية 4 .

ــ[375]ــ

القتل وبين المن والفداء والاسترقاق ، وتبعه في ذلك الشيخ الطبرسي - قدس سره - في تفسيره ، مع أن الشيخ - قدس سره - قد صرح هو في كتابه ( المبسوط ) بعدم جواز قتله في هذه الصورة .

وجه الغرابة - مضافا إلى دعوى الاجماع في كلمات غير واحد على عدم جواز القتل في هذا الفرض - أنه مخالف لظاهر الآية المشار إليها ، ولنص معتبرة طلحة بن زيد ، قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : " كان أبي يقول : إن للحرب حكمين:
إذا كان الحرب قائمة ولم يثخن أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الامام عليه السلام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ، ثم يتركه يتشحط في دمه حتى يموت وهو قول الله عزوجل : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) - إلى أن قال: -

والحكم الاخر إذا وضعت الحرب أوزارها واثخن أهلها فكل أسير اخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالامام فيه بالخيار إن شاء من عليهم فأرسلهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا "(1) .
ــــــــــــ
(1) الوسائل ج 11 باب 23 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 1.